فصل
قال الفخر :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى لما حكى شبهات منكري نبوة نوح عليه الصلاة والسلام حكى بعده ما يكون جواباً عن تلك الشبهات.
فالشبهة الأولى : قولهم :﴿مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا﴾ فقال نوح حصول المساواة في البشرية لا يمنع من حصول المفارقة في صفة النبوة والرسالة، ثم ذكر الطريق الدال على إمكانه، فقال :﴿أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى﴾ من معرفة ذات الله وصفاته وما يجب وما يمتنع وما يجوز عليه، ثم إنه تعالى أتاني رحمة من عنده، والمراد بتلك الرحمة إما النبوة وإما المعجزة الدالة على النبوة ﴿فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ أي صارت مظنة مشتبهة ملتبسة في عقولكم، فهل أقدر على أن أجعلكم بحيث تصلون إلى معرفتها شئتم أم أبيتم ؟ والمراد أني لا أقدر على ذلك ألبتة، وعن قتادة : والله لو استطاع نبي الله لألزمها ولكنه لم يقدر عليه، وحاصل الكلام أنهم لما قالوا :﴿وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ [ هود : ٢٧ ] ذكر نوح عليه السلام أن ذلك بسبب أن الحجة عميت عليكم واشتبهت، فأما لو تركتم العناد واللجاج ونظرتم في الدليل لظهر المقصود، وتبين أن الله تعالى آتانا عليكم فضلاً عظيماً.
المسألة الثانية :
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ بضم العين وتشديد الميم على ما لم يسم فاعله، بمعنى ألبست وشبهت والباقون بفتح العين مخففة الميم، أي التبست واشتبهت.