واعلم أن الشيء إذا بقي مجهولاً محضاً أشبه المعمي، لأن العلم نور البصيرة الباطنة والأبصار نور البصر الظاهر فحسن جعل كل واحد منها مجازاً عن الآخر وتحقيقه أن البينة توصف بالأبصار قال تعالى :﴿فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا مُبْصِرَةً﴾ [ النمل : ١٣ ] وكذلك توصف بالعمى، قال تعالى :﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنباء﴾ [ القصص : ٦٦ ] وقال في هذه الآية :﴿فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾.
المسألة الثالثة :
﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ فيه ثلاث مضمرات : ضمير المتكلم وضمير الغائب وضمير المخاطب، وأجاز الفراء إسكان الميم الأولى، وروي ذلك عن أبي عمرو قال : وذلك أن الحركات توالت فسكنت الميم وهي أيضاً مرفوعة وقبلها كسرة والحركة التي بعدها ضمة ثقيلة، قال الزجاج : جميع النحويين البصريين لا يجيزون إسكان حرف الإعراب إلا في ضرورة الشعر وما يروى عن أبي عمرو فلم يضبطه عنه الفراء، وروي عن سيبويه أنه كان يخفف الحركة ويختلسها، وهذا هو الحق وإنما يجوز الإسكان في الشعر كقول امرىء القيس :
فاليوم أشرب غير مستحقب..
﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن هذا هو الجواب عن الشبهة الثانية وهي قولهم لا يتبعك إلا الأراذل من الناس وتقرير هذا الجواب من وجوه :
الوجه الأول : أنه عليه الصلاة والسلام قال :" أنا لا أطلب على تبليغ دعوة الرسالة مالاً حتى يتفاوت الحال بسبب كون المستجيب فقيراً أو غنياً وإنما أجري على هذه الطاعة الشاقة على رب العالمين " وإذا كان الأمر كذلك فسواء كانوا فقراء أو أغنياء لم يتفاوت الحال في ذلك.