قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الفريقين ﴾ : مبتدأٌ، و " كالأعمى " خبره، ثم هذه الكافُ يحتمل أن تكونَ هي نفسَ الخبر، فتقدَّر ب " مثل "، تقديرُه : مَثَلُ الفريقين مثلُ الأعمى. ويجوز أن تكون " مثل " بمعنى " صفة "، ومعنى الكاف معنى مِثْلِ، فيقدَّر مضافٌ محذوفٌ، أي : كمثل الأعمى. وقوله :﴿ مَثَلُ الفريقين كالأعمى ﴾ يجوز أن/ يكونَ من باب تشبيه شيئين بشيئين، فقابل العمى بالبصَر، والصمم بالسمع وهو من الطِّباق، وأن يكونَ من تشبيهِ شيءٍ واحد بوصفَيْهِ بشيءٍ واحدٍ بوصفَيْهِ، وحينئذٍ يكون قولُه :" كالأعمى والأصمِّ " وقوله " والبصير والسميع " من باب عطف الصفات كقوله :

٢٦٥٠ إلى المَلِكِ القَرْمِ وابنِ الهُمامِ ولَيْثِ الكتيبةِ في المُزْدَحَمْ
وقد أحسنَ الزمخشريُّ في التعبير عن ذلك فقال :" شبَّه فريق الكافرين بالأَعْمى والأصمِّ، وفريقَ المؤمنين بالبصير والسميع، وهو من اللَّفِّ والطِّباق، وفيه معنيان : أن يُشَبِّه الفريقين تشبيهين اثنين، كما شبَّه امرؤ القيس قلوبَ الطير بالحَشَف والعُنَّاب، وأن يُشَبِّهَ بالذي جمع بين العمى والصَّمَم، والذي جمع بين البصر والسمع، على أن تكونَ الواوُ في " والأصمِّ " وفي " والسميع " لعطفِ الصفة على الصفةِ كقوله :
٢٦٥١.................. ال صَابحِ فالغانِمِ فالآئِبِ
قلت : يريد بقوله " اللفّ " أنه لفَّ المؤمنين والكافرين اللذين هما مشبهان بقوله " الفريقين "، ولو فسَّرهما لقال : مَثَلُ الفريق المؤمن كالبصير والسميع، ومثل الكافر كالأعمى والأصم، وهي عبارةٌ مشهورة في علم البيان : لفظتان متقابلتان : اللفُّ والنشر، وأشارَ لقول امرىء القيس وهو :
٢٦٥٢ كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْباً ويابِساً لدى وكرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي


الصفحة التالية
Icon