واعلم أن نوحاً عليه السلام لما أجاب عن شبهاتهم ختم الكلام بخاتمة قاطعة، فقال :﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ﴾ أي إن كان الله يريد أن يغويكم فإنه لا ينفعكم نصحي ألبتة، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الله تعالى قد يريد الكفر من العبد، وأنه إذا أراد منه ذلك فإنه يمتنع صدور الإيمان منه، قالوا : إن نوحاً عليه السلام قال :﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ والتقدير : لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم ويضلكم، وهذا صريح في مذهبنا، أما المعتزلة فإنهم قالوا ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى إن أراد إغواء القوم لم ينتفعوا بنصح الرسول، وهذا مسلم، فإنا نعرف أن الله تعالى لو أراد إغواء عبد فإنه لا ينفعه نصح الناصحين، لكن لم قلتم إنه تعالى أراد هذا الإغواء فإن النزاع ما وقع إلا فيه، بل نقول إن نوحاً عليه السلام إنما ذكر هذا الكلام ليدل على أنه تعالى ما أغواهم، بل فوض الاختيار إليهم وبيانه من وجهين الأول : أنه عليه السلام بين أنه تعالى لو أراد إغواءهم لما بقي في النصح فائدة فلو لم يكن فيه فائدة لما أمره بأن ينصح الكفار، وأجمع المسلمون على أنه عليه السلام مأمور بدعوة الكفار ونصيحتهم، فعلمنا أن هذا النصح غير خال عن الفائدة، وإذا لم يكن خالياً عن الفائدة وجب القطع بأنه تعالى ما أغواهم، فهذا صار حجة لنا من هذا الوجه.