الثاني : أنه لو ثبت الحكم عليهم بأن الله تعالى أغواهم لصار هذا عذراً لهم في عدم إتيانهم بالإيمان ولصار نوح منقطعاً في مناظرتهم، لأنهم يقولون له إنك سلمت أن الله أغوانا فإنه لا يبقى في نصحك ولا في جدنا واجتهادنا فائدة، فإذا ادعيت بأن الله تعالى قد أغوانا فقد جعلتنا معذورين فلم يلزمنا قبول هذه الدعوة، فثبت أن الأمر لو كان كما قاله الخصم، لصار هذا حجة للكفار على نوح عليه السلام، ومعلوم أن نوحاً عليه السلام لا يجوز أن يذكر كلاماً يصير بسببه مفحماً ملزماً عاجزاً عن تقرير حجة الله تعالى، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية لا تدل على قول المجبرة، ثم إنهم ذكروا وجوهاً من التأويلات : الأول : أولئك الكفار كانوا مجبرة، وكانوا يقولون إن كفرهم بإرادة الله تعالى، فعند هذا قال نوح عليه السلام : إن نصحه لا ينفعهم إن كان الأمر كما قالوا، ومثاله أن يعاقب الرجل ولده على ذنبه فيقول الولد : لا أقدر على غير ما أنا عليه، فيقول الوالد فلن ينفعك إذاً نصحي ولا زجري، وليس المراد أنه يصدقه على ما ذكره بل على وجه الإنكار لذلك.
الثاني : قال الحسن معنى ﴿يُغْوِيَكُمْ﴾ أي يعذبكم، والمعنى : لا ينفعكم نصحي اليوم إذا نزل بكم العذاب فآمنتم في ذلك الوقت، لأن الإيمان عند نزول العذاب لا يقبل، وإنما ينفعكم نصحي إذا آمنتم قبل مشاهدة العذاب.
الثالث : قال الجبائي : الغواية هي الخيبة من الطلب بدليل قوله تعالى :
﴿فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً﴾ [ مريم : ٥٩ ] أي خيبة من خير الآخرة قال الشاعر :
ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً.. الرابع : أنه إذا أصر على الكفر وتمادى فيه منعه الله تعالى الألطاف وفوضه إلى نفسه، فهذا شبيه ما إذا أراد إغواءه فلهذا السبب حسن أن يقال إن الله تعالى أغواه هذا جملة كلمات المعتزلة في هذا الباب.
والجواب عن أمثال هذه الكلمات قد ذكرناه مراراً وأطواراً فلا فائدة في الإعادة.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon