وقال أبو السعود :
﴿ وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ ﴾
أي المُصِرِّين على الكفر وهو إقناطٌ له عليه السلام من إيمانهم وإعلامٌ لكونه كالمُحال الذي لا يصِحّ توقّعُه ﴿ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ ﴾ إلا من قد وُجد منه ما كان يُتوقَّع من إيمانه، وهذا الاستثناءُ على طريقة قولِه تعالى :﴿ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ أي لا تحزَنْ حزْنَ بائسٍ مستكينٍ ولا تغتمَّ بما كانوا يتعاطَوْنه من التكذيب والاستهزاء والإيذاءِ في هذه المدة الطويلةِ فقد انتهى أفعالُهم وحان وقتُ الانتقامِ منهم ﴿ واصنع الفلك ﴾ ملتبساً ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي بحفظنا وكلاءتِنا كأن معه من الله عز وجل حُفّاظاً وحرّاساً يكلؤنه بأعينهم من التعدّي من الكفرة ومن الزيغ في الصنعة ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ إليك كيف تصنعُها وتعليمِنا وإلهامِنا. عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يعلمْ كيف صنعةُ الفُلك، فأوحى الله تعالى إليه أن يصنعَها مثلَ جُؤجُؤ الطائر، والأمرُ للوجوب إذ لا سبيل إلى صيانة الروحِ من الغرق إلا به فيجب كوجوبها، واللامُ إما للعهد بأن يُحملَ على أن هذا مسبوقٌ بوحي الله تعالى إليه عليه السلام أنه سيهلكهم بالغرق وينجّيه ومَنْ معه بشيء سيصنعه بأمره تعالى ووحيِه، مِنْ شأنه كيتَ وكيت واسمُه كذا، وإما للجنس. قيل : صنعها عليه الصلاة والسلام في سنتين، وقيل : في أربعمائة سنة، وكانت من خشب الساج وجُعلت ثلاثةَ بطونٍ حُمل في البطن الأول الوحوشُ والسباعُ والهوامُّ، وفي البطن الأوسطِ الدوابُّ والأنعام، وفي البطن الأعلى جنسُ البشر هو ومَنْ معه مع ما يحتاجون إليه من الزاد، وحَمل معه جسدَ آدمَ عليه الصلاة والسلام، وقيل : جَعل في الأول الدوابَّ والوحوشَ وفي الثاني الإنسَ وفي الأعلى الطيرَ، قيل : كان طولُها ثلاثمائة ذراعٍ وعَرْضُها خمسين ذراعاً وسَمْكُها ثلاثين ذراعاً.


الصفحة التالية
Icon