وقال سبحانه :﴿ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ ﴾ الخ، والمراد بمن آمن قيل : من استمر على الإيمان وللدوام حكم الحدوث، ولذا لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه في الحال حنث، وقيل : المراد إلا من قد استعد للإيمان وتوقع منه ولا يراد ظاهره وإلا كان المعنى إلا من آمن فإنه يؤمن، وأورد عليه أنه مع بعده يقتضي أن من القوم من آمن بعد ذلك، وهو ينافي تقنيطه من إيمانهم، وقد يقال : المراد ما هو الظاهر والاستثناء على حد الاستثناء في قوله تعالى :﴿ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاختين إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ النساء : ٢٣ ] على ما قاله غير واحد، فيفيد الكلام الإقناط على أتم وجه وأبلغه أي لن يحدث من قومك إيماناً ويحصله بعد إلا من قد أحدثه وحصله قبل، وذلك مما لا يمكن لما فيه من تحصيل الحاصل وإحداث المحدث، فإحداث الإيمان وتحصيل بعد مما لا يكون أصلاً، وفي "الحواشي الشهابة" لو قيل : إن الاستثناء منقطع وأن المعنى لا يؤمن أحد بعد ذلك غير هؤلاء لكان معنى بليغاً فتدبر، وقرأ أبو البرهسم ﴿ وَأُوحِىَ ﴾ مبنياً للفاعل وأنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين وعلى إجراء ﴿ أوحى ﴾ مجرى قال على مذهب الكوفيين، واستدل بالآية من أجاز التكليف بما لا يطاق.
﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن بما كانوا يتعاطونه من التكذيب والاستهزاء والإيذاء في هذه المدة الطويلة فقد حان وقت الانتقام منهم.