فصل


قال الفخر :
﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾
أما قوله تعالى :﴿وَيَصْنَعُ الفلك﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
في قوله :﴿وَيَصْنَعُ الفلك﴾ قولان : الأول : أنه حكاية حال ماضية أي في ذلك الوقت كان يصدق عليه أنه يصنع الفلك.
الثاني : التقدير وأقبل يصنع الفلك فاقتصر على قوله :﴿وَيَصْنَعُ الفلك ﴾.
المسألة الثانية :
ذكروا في صفة السفينة أقوالاً كثيرة : فأحدها : أن نوحاً عليه السلام اتخذ السفينة في سنتين، وقيل في أربع سنين وكان طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعاً وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاث بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وفي البطن الأعلى جلس هو ومن كان معه مع ما احتاجوا إليه من الزاد، وحمل معه جسد آدم عليه السلام، وثانيها : قال الحسن كان طولها ألفاً ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع.
واعلم أن أمثال هذه المباحث لا تعجبني لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها ألبتة ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلاً وكان الخوض فيها من باب الفضول لا سيما مع القطع بأنه ليس ههنا ما يدل على الجانب الصحيح والذي نعلمه إنه كان في السعة بحيث يتسع للمؤمنين من قومه ولما يحتاجون إليه ولحصول زوجين من كل حيوان، لأن هذا القدر مذكور في القرآن، فأما غير ذلك القدر فغير مذكور.
أما قوله تعالى :﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ ففي تفسير الملأ وجهان قيل جماعة وقيل طبقة من أشرافهم وكبرائهم واختلفوا فيما لأجله كانوا يسخرون وفيه وجوه أحدهما : أنهم كانوا يقولون : يا نوح كنت تدعي رسالة الله تعالى فصرت بعد ذلك نجاراً.
وثانيها : أنهم كانوا يقولون له : لو كنت صادقاً في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق.


الصفحة التالية
Icon