القول الثاني : ليس المراد من التنور تنور الخبز، وعلى هذا التقدير ففيه أقوال : الأول : أنه انفجر الماء من وجه الأرض كما قال :﴿فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى الماء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [ القمر : ١١، ١٢ ] والعرب تسمي وجه الأرض تنوراً.
الثاني : أن التنور أشرف موضع في الأرض وأعلى مكان فيها وقد أخرج إليه الماء من ذلك الموضع ليكون ذلك معجزة له، وأيضاً المعنى أنه لما نبع الماء من أعالي الأرض، ومن الأمكنة المرتفعة فشبهت لارتفاعها بالتنانير.
الثالث :﴿فَارَ التنور﴾ أي طلع الصبح وهو منقول عن علي رضي الله عنه.
الرابع :﴿فَارَ التنور﴾ يحتمل أن يكون معناه أشد الأمر كما يقال : حمي الوطيس ومعنى الآية إذا رأيت الأمر يشتد والماء يكثر فانج بنفسك ومن معك إلى السفينة.
فإن قيل : فما الأصح من هذه الأقوال ؟
قلنا : الأصل حمل الكلام على حقيقته ولفظ التنور حقيقة في الموضع الذي يخبز فيه فوجب حمل اللفظ عليه ولا امتناع في العقل في أن يقال : إن الماء نبع أولاً من موضع معين وكان ذلك الموضع تنوراً.
فإن قيل : ذكر التنور بالألف واللام وهذا إنما يكون معهود سابق معين معلوم عند السامع وليس في الأرض تنور هذا شأنه، فوجب أن يحمل ذلك على أن المراد إذا رأيت الماء يشتد نبوعه والأمر يقوى فانج بنفسك وبمن معك.
قلنا : لا يبعد أن يقال : إن ذلك التنور كان لنوح عليه السلام بأن كان تنور آدم أو حواء أو كان تنوراً عينه الله تعالى لنوح عليه السلام وعرفه أنك إذا رأيت الماء يفور فاعلم أن الأمر قد وقع، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى صرف الكلام عن ظاهره.
المسألة الرابعة :


الصفحة التالية
Icon