الثاني أنه تنور الخبز الذي يخبز فيه ؛ وكان تنوراً من حجارة ؛ وكان لحوّاء حتى صار لنوح ؛ فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
وأنبع الله الماء من التنور، فعلمت به امرأته فقالت : يا نوح فار الماء من التنور ؛ فقال : جاء وعد ربي حقاً.
هذا قول الحسن ؛ وقاله مجاهد وعطية عن ابن عباس.
الثالث أنه موضع اجتماع الماء في السفينة ؛ عن الحسن أيضاً.
الرابع أنه طلوع الفجر، ونور الصبح ؛ من قولهم : نوّر الفجر تنويراً ؛ قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
الخامس أنه مسجد الكوفة ؛ قاله عليّ بن أبي طالب أيضاً ؛ وقاله مجاهد.
قال مجاهد : كان ناحية التنور بالكوفة.
وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة، وكان التنور على يمين الدّاخل مما يلي كندة.
وكان فوران الماء منه علماً لنوح، ودليلاً على هلاك قومه.
قال الشاعر وهو أمية :
فار تنّورُهم وجاشَ بماءٍ...
صار فوق الجبالِ حتّى عَلاها
السادس : أنه أعالي الأرض، والمواضع المرتفعة منها ؛ قاله قتادة.
السابع : أنه العين التي بالجزيرة "عين الوردة" رواه عِكرمة.
وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم، وإنما كان بالشام بموضع يقال له :"عين وَرْدَة" وقال ابن عباس أيضاً : فار تنور آدم بالهند.
قال النحاس : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ؛ لأن الله عز وجل أخبرنا أن الماء جاء من السماء والأرض ؛ قال :﴿ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً ﴾ [ القمر : ١١ ].
فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة.
والفَوَران الغَلَيان.
والتنور اسم أعجميّ عربته العرب، وهو على بناء فَعّل ؛ لأنّ أصل بنائه تَنّر، وليس في كلام العرب نون قبل راء.
وقيل : معنى "فَارَ التَّنُّورُ" التمثيل لحضور العذاب ؛ كقولهم : حمِي الوطيس إذا اشتدت الحرب.
والوطيس التنور.
ويقال : فارت قِدر القوم إذا اشتد حربهم ؛ قال شاعرهم :