وقال أبو السعود :
﴿ وَيَصْنَعُ الفلك ﴾
حكايةُ حالٍ ماضيةٍ لاستحضار صورتِها العجيبةِ، وقيل : تقديرُه وأخذ يصنع الفلكَ أو أقبل بصنعها فاقتصر على يصنع، وأياً ما كان ففيه ملاءمةٌ للاستمرار المفهومِ من الجملة الواقعةِ حالاً من ضميره، أعني قوله تعالى :﴿ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ﴾ استهزأوا به لعمله السفينةَ إما لأنهم ما كانوا يعرِفونها ولا كيفيةَ استعمالِها والانتفاعِ بها فتعجبوا من ذلك وسخِروا منه، وإما لأنه كان يصنعها في برّية بهماءَ في أبعد موضعٍ من الماء وفي وقت عزَّتْه عِزَةٌ شديدة وكانوا يتضاحكون ويقولون : يا نوحُ صرتَ نجاراً بعد ما كنت نبياً، وقيل : لأنه عليه الصلاة والسلام كان يُنذرهم الغرقَ فلما طال مكثُه فيهم ولم يشاهِدوا منه عيناً ولا أثراً عدّوه من باب المُحال ثم لما رأوا اشتغالَه بأسباب الخلاصِ من ذلك فعلوا ما فعلوا، ومدارُ الجميعِ إنكارُ أن يكون لعمله عليه الصلاة والسلام عاقبةٌ حميدةٌ مع ما فيه من تحمل المشاقِّ العظيمة التي لا تكاد تُطاق واستجهالِه عليه السلام في ذلك ﴿ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا ﴾ مستجهلين لنا فيما نحن فيه ﴿ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ﴾ أي نستجهلكم فيما أنتم عليه، وإطلاقُ السخريةِ عليه للمشاكلة، وجمعُ الضمير في منا إما لأن سخريتَهم منه عليه الصلاة والسلام سخريةٌ من المؤمنين أيضاً أو لأنهم كانوا يسخرون منهم أيضاً إلا أنه اكتُفيَ بذكر سُخريتِهم منه عليه الصلاة والسلام، ولذلك تعرض الجميعُ للمجازاة في قوله تعالى :﴿ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ﴾ الخ، فتكافأ الكلامُ من الجانبين، وتعليقُ استجهالِه عليه الصلاة والسلام إياهم بما فعلوا من السُّخرية باعتبار إظهارِه ومشافهتِه عليه الصلاة والسلام إياهم بذلك وإلا فعَدُّه عليه الصلاة والسلام إياهم جاهلين فيها يأتون ويذرون أمرٌ مطّردٌ لا تعلُّق له بسخريتهم منهم لكنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتصدى


الصفحة التالية
Icon