وقال أبو حيان :
﴿ قد جادلتنا ﴾
الظاهر المبالغة في الخصومة والمناظرة.
وقال الكلبي : دعوتنا.
وقيل : وعظتنا، وقيل : أتيت بأنواع الجدال وفنونه فما صح دعواك.
وقرأ ابن عباس : فأكثرت جدلنا كقوله :﴿ وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً ﴾ فأتنا بما تعدنا من العذاب المعجل وما بمعنى الذي، والعائد محذوف أي بما تعدناه، أو مصدرية، وإنما كثرت مجادلته لهم لأنه أقام فيهم ما أخبر الله به ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو كل وقت يدعوهم إلى الله وهم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم.
قال : إنما يأتيكم به الله، أي ليس ذلك إليّ إنما هو للإله الذي يعاقبكم على عصيانكم إن شاء أي : إن اقتضت حكمته أن يعجل عذابكم وأنتم في قبضته لا يمكن أن تفلتوا منه، ولا أن تمتنعوا.
ولما قالوا : قد جادلتنا، وطلبوا تعجيل العذاب، وكان مجادلته لهم إنما هو على سبيل النصح والإنقاذ من عذاب الله قال : ولا ينفعكم نصحي.
وقرأ عيسى بن عمر الثقفي : نصحي بفتح النون، وهو مصدر.
وقراءة الجماعة بضمها، فاحتمل أن يكون مصدراً كالشكر، واحتمل أن يكون اسماً.
وهذان الشرطان اعتقب الأول منهما قوله : ولا ينفعكم نصحي، وهو دليل على جواب الشرط تقديره : إنْ أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي، والشرط الثاني : اعتقب الشرط الأول وجوابه أيضاً ما دل عليه قوله : ولا ينفعكم نصحي، تقديره : إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي.
وصار الشرط الثاني شرطاً في الأول، وصار المتقدم متأخراً والمتأخر متقدّماً، وكأن التركيب إن أردت أن أنصح لكم أن كان الله يريد أن يغويكم، فلا ينفعكم نصحي، وهو من حيث المعنى كالشرط إذا كان بالفاء نحو : إنْ كان الله يريد أن يغويكم.
فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي.