فصل


قال الفخر :
﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن الكفار لما أوردوا تلك الشبهة.
وأجاب نوح عليه السلام عنها بالجوابات الموافقة الصحيحة أورد الكفار على نوح كلامين : الأول : أنهم وصفوه بكثرة المجادلة فقالوا : يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، وهذا يدل على أنه عليه السلام كان قد أكثر في الجدال معهم، وذلك الجدال ما كان إلا في إثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وهذا يدل على أن الجدال في تقرير الدلائل وفي إزالة الشبهات حرفة الأنبياء، وعلى أن التقليد والجهل والإصرار على الباطل حرفة الكفار.
والثاني : أنهم استعجلوا العذاب الذي كان يتوعدهم به، فقالوا :﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ ثم إنه عليه السلام أجاب عنه بجواب صحيح فقال :﴿إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاء وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ والمعنى أن إنزال العذاب ليس إلي وإنما هو خلق الله تعالى فيفعله إن شاء كما شاء، وإذا أراد إنزال العذاب فإن أحداً لا يعجزه، أي لا يمنعه منه، والمعجز هو الذي يفعل ما عنده لتعذر مراد الغير فيوصف بأنه أعجزه، فقوله :﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أي لا سبيل لكم إلى فعل ما عنده، فلا يمتنع على الله تعالى ما يشاء من العذاب إن أراد إنزاله بكم، وقد قيل معناه : وما أنتم بمانعين، وقيل : وما أنتم بمصونين، وقيل : وما أنتم بسابقين إلى الخلاص، وهذه الأقوال متقاربة.


الصفحة التالية
Icon