وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾
"أنه" في موضع رفع على أنه اسم ما لم يُسمَّ فاعله.
ويجوز أن يكون في موضع نصب، ويكون التقدير ب "أنه".
و﴿ آمَنَ ﴾ في موضع نصب ب ﴿ يؤمن ﴾ ومعنى الكلام الإياس من إيمانهم، واستدامة كفرهم، تحقيقاً لنزول الوعيد بهم.
قال الضحاك : فدعا عليهم لما أخبر بهذا فقال :﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ] الآيتين.
وقيل : إن رجلاً من قوم نوح حمل ابنه على كتفه، فلما رأى الصبي نوحاً قال لأبيه : أعطني حجراً ؛ فأعطاه حجراً، ورمى به نوحاً عليه السلام فأدماه ؛ فأوحى الله تعالى إليه ﴿ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾.
﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ أي فلا تغتَمّ بهلاكهم حتى تكون بائساً ؛ أي حزيناً.
والبؤس الحزن ؛ ومنه قول الشاعر :
وكم مِن خليلٍ أو حميم رُزِئته...
فلم أبتئسْ والرُّزءُ فيه جَلِيلُ
يقال : ابتأس الرجل إذا بلغه شيء يكرهه.
والابتئاس حزن في استكانة.
قوله تعالى :﴿ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك.
﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي بمرأى منا وحيث نراك.
وقال الرّبيع بن أنس : بحفظنا إياك حفظ من يَراك.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بحراستنا ؛ والمعنى واحد ؛ فعبّر عن الرؤية بالأعين ؛ لأن الرؤية تكون بها.
ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير ؛ كما قال تعالى :﴿ فَنِعْمَ القادرون ﴾ [ المرسلات : ٢٣ ] "فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ" ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٧ ].
وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرها إلى معنى عين ؛ كما قال :﴿ وَلِتُصْنَعَ على عيني ﴾ [ طه : ٣٩ ] وذلك كله عبارة عن الإدراك والإحاطة، وهو سبحانه منّزه عن الحواسّ والتشبيه والتكييف ؛ لا ربّ غيره.