وقيل : الماء دون ماء طوفان السماء، وكذا الأمر دون أمر نوح وهو إنجاز ما وعد لقصد الاختصار، والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك لأنه إما بدل من المضاف إليه كما هو مذهب الكوفية، وإما لأنه يغني غناء الإضافة في الإشارة إلى المعهود، واختير استوت على سويت أي أقرت مع كونه أنسب بأخواته المبنية للمفعول اعتباراً لكون الفعل المقابل للاستقرار أعني الجريان منسوباً إلى السفينة على صيغة المبني للفاعل في قوله تعالى :﴿ وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ ﴾ [ هود : ٤٢ ] مع أن ﴿ استوت ﴾ أخصر من سويت، واختير المصدر أعني ﴿ أَلاَ بُعْدًا ﴾ على ليبعد القوم طلباً لتأكيد معنى الفعل بالمصدر مع الاختصار في العبارة وهو نزول ﴿ بُعْدًا ﴾ وحده منزلة ليبعدوا بعداً مع فائدة أخرى هي الدلالة على استحقاق الهلاك بذكر اللام، وإطلاق الظلم عن مقيداته في مقام المبالغة يفيد تناول كل نوع فيدخل فيه ظلمهم على أنفسهم لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في التكذيب من حيث أن تكذيبهم للرسل ظلم على أنفسهم لأن ضرره يعود إليهم، هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم، وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذلك أنه قدم النداء على الأمر فقيل :﴿ وَقِيلَ يا أرض ابلعى ﴾ ﴿ مَاءكِ ويا سماء أَقْلِعِى ﴾ دون أن يقال : ابلعي يا أرض، واقلعي يا سماء جريا على مقتضى اللازم فيمن كان مأموراً حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي قصداً بذلك لمعنى الترشيح للاستعارة المكنية في الأرض والسماء، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء لكونها الأصل نظراً إلى كون ابتداء الطوفان منها حيث فار تنورها أولا، ثم جعل قوله سبحانه :﴿ وَغِيضَ الماء ﴾ تابعاً لأمر الأرض والسماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها، ألا ترى أصل الكلام ﴿ قِيلَ يا أَرْضُ ابلعى مَاءكِ ﴾ فبلعت ماءها ﴿ مَاءكِ ويا سماء أَقْلِعِى ﴾ عن إرسال الماء فأقلعت عن إرساله ﴿ وَغِيضَ الماء ﴾