النازل من السماء فغاض.
وقيد الماء بالنازل وإن كان في الآية مطلقاً لأن ابتلاع الأرض ماءها فهم من قوله سبحانه :﴿ ابلعى مَاءكِ ﴾.
واعترض بأن الماء المخصوص بالأرض إن أريد به ما على وجهها فهو يتناول القبيلين الأرضي والسمائي وإن أريد به ما نبع منها فاللفظ لا يدل عليه بوجهه، ولهذا حمل الزمخشري الماء على مطلقه، وأشعر كلامه بأن غيض الماء إخبار عن الحصول المأمور به من قوله سبحانه :﴿ المغرقين وَقِيلَ يا أرض ابلعى مَاءكِ ويا سماء أَقْلِعِى ﴾ فالتقدير قيل لهما ذلك فامتثلا الأمر ونقص املاء.
ورجح الطيبي ما ذهب إليه الكساكي زاعماً أن معنى الغيض حينئذ ما قاله الجوهري، وهو عنده مخالف للمعني الذي ذكره الزمخشري فقال : إن إضافة الماء إلى الأرض لما كانت ترشيحاً للاستعارة تشبيهاً لاتصاله بها باتصال الملك بالمالك ولذا جيء بضمير الخطاب اقتضت إخراج سائر المياه سوى الذي بسببه صارت الأرض مهيأة للخطاب بمنزلة المأمور المطيع وهو المعهود في قوله تعالى :﴿ وَفَارَ التنور ﴾ [ هود : ٤٠ ] وبهذا الاعتبار يحصل التواغل في تناسي التشبيه والترشيح، ولو أجريت الإضافة على غير هذا تكون كالتجريد وكم بينهما، هذا ولو حمل على العموم لاستلزم تعميم ابتلاعه المياه بأسرها لورود الأمر من مقام العظمة كما علمت من كلام السكاكي، وليس بذاك، وتعقبه في الكشف بأنه دعوى بلا دليل ورد يمين إذ لا معهود، والظاهر ما على وجه الأرض من الماء ولا ينافي الترشيح وإضافة المالكية، ثم الظاهر من تنزيل الماء منزلة الغذاء أن تجعل الإضافة من باب إضافة الغذاء إلى المغتذي في النفع والتقوية وصيرورته جزءاً منه ولا نظر فيه إلى كونه مملوكاً أو غير ذلك، وأما التعميم فمطلوب وحاصل على التفسيرين لانحصار الماء في الأرض والسمائي، وقد قلتم بنضوبهما من قوله سبحانه فبلعت.