والثالث : أن شفقة الأبوة لعلها حملته على ذلك النداء، والذي تقدم من قوله :﴿إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول﴾ كان كالمجمل فلعله عليه السلام جوز أن لا يكون هو داخلاً فيه.
القول الثاني : أنه كان ابن امرأته وهو قول محمد بن علي الباقر وقول الحسن البصري ويروى أن علياً رضي الله عنه قرأ ﴿ونادى نُوحٌ ابنه﴾ والضمير لامرأته.
وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير ﴿ابنه﴾ بفتح الهاء يريد أن ابنها إلا أنهما اكتفيا بالفتحة عن الألف، وقال قتادة سألت الحسن عنه فقال : والله ما كان ابنه فقلت : إن الله حكى عنه أنه قال :
﴿إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى﴾ [ هود : ٤٥ ] وأنت تقول : ما كان ابناً له، فقال : لم يقل : إنه مني ولكنه قال من أهلي وهذا يدل على قولي.
القول الثالث : أنه ولد على فراشه لغير رشدة، والقائلون بهذا القول احتجوا بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما وهذا قول خبيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة لا سيما وهو على خلاف نص القرآن.
أما قوله تعالى ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ فليس فيه أن تلك الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذكروه.
قيل لابن عباس رضي الله عنهما : ما كانت تلك الخيانة، فقال : كانت امرأة نوح تقول : زوجي مجنون، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا به.
ثم الدليل القاطع على فساد هذا المذهب قوله تعالى :﴿الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ والخبيثون للخبيثات والطيبات لِلطَّيّبِينَ والطيبون للطيبات﴾ [ النور : ٢٦ ] وأيضاً قوله تعالى :﴿الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلك عَلَى المؤمنين﴾ [ النور : ٣ ] وبالجملة فقد دللنا على أن الحق هو مقول الأول.
وأما قوله :﴿وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ﴾ فاعلم أن المعزل في اللغة معناه : موضع منقطع عن غيره، وأصله من العزل، وهو التنحية والإبعاد.
تقول : كنت بمعزل عن كذا، أي بموضع قد عزل منه.


الصفحة التالية
Icon