وقرأ حفص :﴿ من كلّ ﴾ بتنوين كل : أي : من كل شيء زوجين، والزوجان للاثنين اللذين لا يستغنى أحدهما عن الآخر، ويطلق على كل واحد منهما زوج، كما يقال للرجال زوج، وللمرأة زوج، ويطلق الزوج على الاثنين إذا استعمل مقابلاً للفرد، ويطلق الزوج على الضرب والصنف، ومثله قوله تعالى :﴿ وَأَنبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ الحج : ٥ ]، ومثله قول الأعشى :
وكل ضرب من الديباج يلبسه... أبو حذافة مخبوّ بذاك معا
أراد كل صنف من الديباج ﴿ وَأَهْلَكَ ﴾ عطف على ﴿ زوجين ﴾، أو على اثنين على قراءة حفص، وعلى محل كل زوجين، فإنه في محلّ نصب ب ﴿ احمل ﴾، أو على ﴿ اثنين ﴾ على قراءة الجمهور، والمراد : امرأته وبنوه ونساؤهم ﴿ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول ﴾ أي : من تقدّم الحكم عليه بأنه من المغرقين، في قوله :﴿ وَلاَ تخاطبنى فِى الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ ﴾ على الاختلاف السابق فيهم، فمن جعلهم جميع الكفار من أهله وغيرهم كان هذا الاستثناء من جملة ﴿ احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ ﴾ ومن قال : المراد بهم ولده كنعان وامرأته واعلة أمّ كنعان جعل الاستثناء من أهلك، ويكون متصلاً إن أريد بالأهل ما هو أعمّ من المسلم والكافر منهم، ومنقطعاً إن أريد بالأهل المسلمون منهم فقط، قوله :﴿ وَمَنْ ءامَنَ ﴾ معطوف على ﴿ أهلك ﴾ : أي : واحمل في السفينة من آمن من قومك، وأفرد الأهل منهم لمزيد العناية بهم، أو للاستثناء منهم على القول الآخر.
ثم وصف الله سبحانه قلة المؤمنين مع نوح بالنسبة إلى من كفر به، فقال :﴿ وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ قيل : هم ثمانون إنساناً : منهم ثلاثة من بنيه، وهو سام، وحام، ويافث، وزوجاتهم، ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية يقال لها قرية الثمانين، وهي موجودة بناحية الموصل.
وقيل : كانوا عشرة.
وقيل : سبعة، وقيل : كانوا اثنين وسبعين.
وقيل : غير ذلك.


الصفحة التالية
Icon