وثالثها : أن السماء والأرض من الجمادات فقوله :﴿يا أرض - ويا سماء﴾ مشعر بحسب الظاهر، على أن أمره وتكليفه نافذ في الجمادات فعند هذا يحكم الوهم بأنه لما كان الأمر كذلك فلأن يكون أمره نافذاً على العقلاء كان أولى وليس مرادي منه أنه تعالى يأمر الجمادات فإن ذلك باطل بل المراد أن توجيه صيغة الأمر بحسب الظاهر على هذه الجمادات القوية الشديدة يقرر في الوهم نوع عظمته وجلاله تقريراً كاملاً.
وأما قوله :﴿وَقُضِىَ الأمر﴾ فالمراد أن الذي قضى به وقدره في الأزل قضاء جزماً حتماً فقد وقع تنبيهاً على أن كل ما قضى الله تعالى فهو واقع في وقته وأنه لا دافع لقضائه ولا مانع من نفاذ حكمه في أرضه وسمائه.
فإن قيل : كيف يليق بحكمة الله تعالى أن يغرق الأطفال بسبب جرم الكفار ؟
قلنا : الجواب عنه من وجهين : الأول : أن كثيراً من المفسرين يقولون إن الله تعالى أعقم أرحام نسائهم قبل الغرق بأربعين سنة فلم يغرق إلا من بلغ سنه إلى الأربعين.
ولقائل أن يقول : لو كان الأمر على ما ذكرتم، لكان ذلك آية عجيبة قاهرة.
ويبعد مع ظهورها استمرارهم على الكفر، وأيضاً فهب أنكم ذكرتم ما ذكرتم فما قولكم في إهلاك الطير والوحش مع أنه لا تكليف عليها ألبتة.
والجواب الثاني : وهو الحق أنه لا اعتراض على الله تعالى في أفعاله ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ] وأما المعتزلة فهم يقولون إنه تعالى أغرق الأطفال والحيوانات، وذلك يجري مجرى إذنه تعالى في ذبح هذه البهائم وفي استعمالها في الأعمال الشاقة الشديدة.
وأما قوله تعالى :﴿واستوت عَلَى الجودى﴾ فالمعنى واستوت السفينة على جبل بالجزيرة يقال له الجودي، وكان ذلك الجبل جبلاً منخفضاً، فكان استواء السفينة عليه دليلاً على انقطاع مادة ذلك الماء وكان ذلك الاستواء يوم عاشوراء.


الصفحة التالية
Icon