وقال مجاهد وعُبيد بن عمير : كانوا يضربونه حتى يغشى عليه فإذا أفَاق قال :"رَبِّ اغفر لِقَوْميِ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ".
وقال ابن عباس : إن نوحاً كان يضرب ثم يُلفّ في لِبد فيلقى في بيته يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم ؛ حتى إذا يئس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا ؛ فقال : يا بُنيّ انظر هذا الشيخ لا يغرّنك، قال : يا أبت أمكنّي من العصا، ( فأمكنه ) فأخذ العصا ثم قال : ضعني في الأرض فوضعه، فمشى إليه بالعصا فضربه فشجه شجة مُوضِحة في رأسه، وسالت الدماء ؛ فقال نوح :"ربّ قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن يك لك في عبادك خيرية فاهدهم وإن يك غير ذلك فصبّرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين" فأوحى الله إليه وآيسه من إيمان قومه، وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن ؛ قال :﴿ وَأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ ؛ أي لا تحزن عليهم.
﴿ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾ [ هود : ٣٧ ] قال : يا رب وأين الخشب؟ قال : اغرس الشجر.
قال : فَغرس السّاج عشرين سنة، وكفّ عن الدعاء، وكفّوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه ؛ فلما أدرك الشجرُ أمره ربه فقطعها وجفّفها : فقال : يا رب كيف أتخذ هذا البيت؟ قال : اجعله على ثلاثة صور ؛ رأسه كرأس الدّيك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنَبه كذنَب الديك ؛ واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدّها بدُسُرٍ، يعني مسامير الحديد.
وبعث الله جبريل فعلمه صنعة السفينة، وجعلت يده لا تخطىء.


الصفحة التالية
Icon