قال أبو بكر الأصم : استغفروا، أي سلوه أن يغفر لكم ما تقدم من شرككم ثم توبوا من بعده بالندم على ما مضى وبالعزم على أن لا تعدوا إلى مثله ؛ ثم إنه عليه السلام قال :" إنكم متى فعلتم ذلك فالله تعالى يكثر النعم عندكم ويقويكم على الانتفاع بتلك النعم " وهذا غاية ما يراد من السعادات، فإن النعم إن لم تكن حاصلة تعذر الانتفاع وإن كانت حاصلة، إلا أن الحيوان قام به المنع من الانتفاع بها لم يحصل المقصود أيضاً، أما إذا كثرت النعمة وحصلت القوة الكاملة على الانتفاع بها، فههنا تحصل غاية السعادة والبهجة فقوله تعالى :﴿يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً﴾ إشارة إلى تكثير النعم لأن مادة حصول النعم هي الأمطار الموافقة، وقوله :﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ﴾ إشارة إلى كمال حال القوى التي بها يمكن الانتفاع بتلك النعمة، ولا شك أن هذه الكلمة جامعة في البشارة بتحصيل السعادات وأن الزيادة عليها ممتنعة في صريح العقل، ويجب على العاقل أن يتأمل في هذه اللطائف ليعرف ما في هذا الكتاب الكريم من الأسرار المخفية، وأما المفسرون فإنهم قالوا القوم كانوا مخصوصين في الدنيا بنوعين من الكمال : أحدهما : أن بساتينهم ومزارعهم كانت في غاية الطيب والبهجة، والدليل عليه قوله :﴿إِرَمَ ذَاتِ العماد التى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى البلاد﴾ [ الفجر : ٧، ٨ ] والثاني : أنهم كانوا في غاية القوة والبطش ولذلك قالوا :﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [ فصلت : ١٥ ]، ولما كان القوم مفتخرين على سائر الخلق بهذين الأمرين وعدهم هود عليه السلام، أنهم لو تركوا عبادة الأصنام واشتغلوا بالاستغفار والتوبة فإن الله تعالى يقوي حالهم في هذين المطلوبين ويزيدهم فيها درجات كثيرة، ونقل أيضاً أن الله تعالى لما بعث هوداً عليه السلام إليهم وكذبوه وحبس الله عنهم المطر سنين وأعقم أرحام نسائهم فقال لهم هود : إن آمنتم بالله أحيا الله


الصفحة التالية
Icon