إن الله تعالى لم يجعل الدنيا مقصودة لنفسها بل جعلها طريقة موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه، وإنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء، وإنه ملكها في الغالب الجهلة والكفرة وحماها الأنبياء والأولياء والأبدال وحسبك بها هواناً إنه سبحانه صغرها وحقرها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبها ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود للارتحال عنها وفي الحديث : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله ومن والاه وعالماً أو متعلماً ولا يفهم من هذا إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقاً، كما روى أبو موسى الأشعري إن النبي قال : لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر أن العبد إذا قال : لعن الله الدنيا قالت : الدنيا لعن الله من عصى ربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدينا ما كان منها مبعداً عن الله تعالى وشاغلاً عنه كما قال : السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشؤوم عليك، وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب بل يرغب ويحب، وإليه الإشارة حيث قال : إلا ذكر الله ومن والاه و عالماً أو متعلماً وهو المصرح به في قوله : نعمت مطية المؤمن الخ وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين.


الصفحة التالية
Icon