قال القاضي أبو محمد : والذي أقول : إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها ؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره، لأنه هو نفس رجوعه، و" تاب " في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور، وتصرف اللفظة في القرآن ب " إلى " يقتضي أنها الرجوع لا الندم، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا، وحقيقة التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه، والله المستعان.
و" مدراراً " هو بناء تكثير وكان حقه أن تلحقه هاء، ولكن حذفت على نية النسب وعلى أن ﴿ السماء ﴾ المطر نفسه، وهو من در يدر ؛ ومِفعال قد يكون من اسم الفاعل الذي هو من ثلاثي، ومن اسم الفاعل الذي هو من رباعي : وقول من قال : إنه ألزم للرباعي غير لازم.
ويروى أن عاداً كان الله تعالى قد حبس عنها المطر ثلاث سنين، وكانوا أهل حرث وبساتين وثمار، وكانت بلادهم شرق جزيرة العرب، فلهذا وعدهم بالمطر، ومن ذلك فرحهم حين رأوا العارض، وقولهم :﴿ هذا عارض ممطرنا ﴾ [ الأحقاف : ٢٤ ] وحضهم على استنزال المطر بالإيمان والإنابة، وتلك عادة الله في عباده، ومنه قول نوح عليه السلام " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً "، ومنه فعل عمر رضي الله حين جعل جميع قوله في الاستسقاء ودعائه استغفاراً فسقي، فسئل عن ذلك، فقال : لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء.


الصفحة التالية
Icon