وقال النسفى :
﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ ﴾
نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله ﴿ رب ﴾ مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله ﴿ إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى ﴾ أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيباً له فهو بعض أهله ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق ﴾ وإن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به، وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي ﴿ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين ﴾ أي أعلم الحكام وأعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل.
ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة، ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر ﴿ قَالَ يَا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله ﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح ﴾ وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشياً وكنت قرشياً لصيقك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك، وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة في ذمه كقولها : فإنما هي إقبال وإدبار
أو التقدير : إنه ذو عمل، وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله، وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته.