فصل


قال الفخر :
﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عن هود عليه السلام ما ذكره للقوم، حكى أيضاً ما ذكره القوم له وهو أشياء : أولها : قولهم :﴿مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ﴾ أي بحجة، والبينة سميت بينة لأنها تبين الحق من الباطل، ومن المعلوم أنه عليه السلام كان قد أظهر المعجزات إلا أن القوم بجهلهم أنكروها، وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات.
وثانيها : قولهم :﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ﴾ وهذا أيضاً ركيك، لأنهم كانوا يعترفون بأن النافع والضار هو الله تعالى وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر، ومتى كان الأمر كذلك فقد ظهر في بديهة العقل أنه لا تجوز عبادتها وتركهم آلهتهم لا يكون عن مجرد قوله بل عن حكم نظر العقل وبديهة النفس.
وثالثها : قوله :﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ وهذا يدل على الإصرار والتقليد والجحود.
ورابعها : قولهم :﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء﴾ يقال : اعتراه كذا إذا غشيه وأصابه.
والمعنى : أنك شتمت آلهتنا فجعلتك مجنوناً وأفسدت عقلك، ثم إنه تعالى ذكر أنهم لما قالوا ذلك قال هود عليه السلام :﴿إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ﴾ وهو ظاهر.
ثم قال :﴿فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾ وهذا نظير ما قاله نوح عليه السلام لقومه :﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ﴾ [ يونس : ٧١ ] إلى قوله :﴿وَلاَ تُنظِرُونَ﴾ [ يونس : ٧١ ].
واعلم أن هذا معجزة قاهرة، وذلك أن الرجل الواحد إذا أقبل على القوم العظيم وقال لهم : بالغوا في عداوتي وفي موجبات إيذائي ولا تؤجلون ؛ فإنه لا يقول هذا إلا إذا كان واثقاً من عند الله تعالى بأنه يحفظه ويصونه عن كمد الأعداء.


الصفحة التالية
Icon