أي ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تقول ﴿ وما نحن بتاركي ألهتنا عن قولك ﴾ يعني وما نترك عبادة آلهتنا لأجل قولك ﴿ وما نحن لك بمؤمنين ﴾ يعني بمصدقين ﴿ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾ يعني إنك يا هود لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا أصابك بخبل وجنون لأنك سببتهم فانتقموا منك بذلك ولا نحمل أمرك إلا على هذا ﴿ قال ﴾ يعني قال هود مجيباً لهم ﴿ إني أشهد الله ﴾ يعني على نفس واشهدوا يعني واشهدوا أنتم أيضاً علي :﴿ أني بريء مما تشركون من دونه ﴾ يعني هذه الأصنام التي كانوا يعبدونها ﴿ فكيدوني جميعاً ﴾ يعني احتالوا في كيدي وضري أنتم وأصنامكم التي تعتقدون أنها تضر وتنفع فإنها لا تضر ولا تنفع ﴿ ثم لا تنظرون ﴾ يعني ثم لا تمهلون وهذا فيه معجزة عظيمة لهود عليه السلام وذلك أنه كان وحيداً في قومه فما قال لهم هذه المقالة ولم يهبهم ولم يخف منهم مع ما هم فيه من الكفر والجبروت إلا لثقته بالله وتوكله عليه وهو قوله تعالى :﴿ إني توكلت على الله ربي وربكم ﴾ يعني أنه فوض مره إلى الله واعتمد عليه ﴿ ما من دابة ﴾ يعني تدب على الأرض ويدخل في هذا جميع بني آدم والحيوان لأنهم يدبون على الأرض ﴿ إلا هو آخذ بناصيتها ﴾ يعني أنه تعالى هو مالكها والقادر عليها وهو يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته، والناصية مقدم الرأس وسمي الشعر الذي عليه ناصية للمجاورة قيل : إنما خصَّ الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك كثيراً في كلامهم فإذا وصفوا إنساناً بالذلة مع غيره يقولون ناصية فلان بيد فلان وكانوا إذا أسروا أسيراً وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليمنوا عليه ويعتدوا بذلك فخراً عليه فخاطبهم الله سبحانه وتعالى بما يعرفون من كلامهم ﴿ إن ربي على صراط مستقيم ﴾ يعني إن ربي وإن كان قادراً وأنتم في قبضته كالعبد الذليل فإنه سبحانه وتعالى لا يظلمكم ولا يعمل إلا بالإحسان والإنصاف والعدل فيجازي المحسن بإحسانه
والمسيء بعصيانه، وقيل معناه أن دين ربي هو الصراط المستقيم وقيل فيه إضمار تقديره إن ربي يحملكم على صراط مستقيم. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٣ صـ ﴾