والثالث : أنه مأخوذ من العمرى، أي جعلها لكم طول أعماركم فإذا متم انتقلت إلى غيركم.
واعلم أن في كون الأرض قابلة للعمارات النافعة للإنسان، وكون الإنسان قادراً عليها دلالة عظيمة على وجود الصانع، ويرجع حاصله إلى ما ذكره الله تعالى في آية أخرى وهي قوله :﴿والذى قَدَّرَ فهدى﴾ [ الأعلى : ٣ ] وذلك لأن حدوث الإنسان مع أنه حصل في ذاته العقل الهادي والقدرة على التصرفات الموافقة يدل على وجود الصانع الحكيم وكون الأرض موصوفة بصفات مطابقة للمصالح موافقة للمنافع يدل أيضاً على وجود الصانع الحكيم.
أما قوله :﴿فاستغفروه ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ فقد تقدم تفسيره.
وأما قوله :﴿إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ يعني أنه قريب بالعلم والسمع ﴿مُّجِيبٌ﴾ دعاء المحتاجين بفضله ورحمته، ثم بين تعالى أن صالحاً عليه السلام لما قرر هذه الدلائل ﴿قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا﴾ وفيه وجوه : الأول : أنه لما كان رجلاً قوي العقل قوي الخاطر وكان من قبيلتهم قوي رجاؤهم في أن ينصر دينهم ويقوي مذهبهم ويقرر طريقتهم لأنه متى حدث رجل فاضل في قوم طمعوا فيه من هذا الوجه.
الثاني : قال بعضهم المراد أنك كنت تعطف على فقرائنا وتعين ضعفاءنا وتعود مرضانا فقوي رجاؤنا فيك أنك من الأنصار والأحباب، فكيف أظهرت العداوة والبغضة ثم إنهم أضافوا إلى هذا الكلام التعجب الشديد من قوله :﴿فقالوا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا﴾ والمقصود من هذا الكلام التمسك بطريق التقليد ووجوب متابعة الآباء والأسلاف، ونظير هذا التعجب ما حكاه الله تعالى عن كفار مكة حيث قالوا :