وقال ابن عطية :
﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾
﴿ الروع ﴾ : الفزع والخيفة التي تقدم ذكرها، وكان ذهابه بإخبارهم إياه أنهم ملائكة. و﴿ البشرى ﴾ : تحتمل أن يريد الولد، ويحتمل أن يريد البشرى بأن المراد غيره، والأول أبين. وقوله :﴿ يجادلنا ﴾ فعل مستقبل جائز أن يسد مسد الماضي الذي يصلح لجواب ﴿ لما ﴾، لا سيما والإشكال مرتفع بمضي زمان الأمر ومعرفة السامعين بذلك، ويحتمل أن يكون التقدير ظل أو أخذ ونحوه يجادلنا، فحذف اختصاراً لدلالة ظاهر الكلام عليه، ويحتمل أن يكون قوله، ﴿ يجادلنا ﴾ حالاً من ﴿ إبراهيم ﴾ أو من الضمير في قوله :﴿ جاءته ﴾، ويكون جواب ﴿ لما ﴾ في الآية الثانية :" قلنا : يا إبراهيم أعرض عن هذا " واختار هذا أبو علي، و" المجادلة " : المقابلة في القول والحجج، وكأنها أعم من المخاصمة فقد يجادل من لا يخاصم كإبراهيم.
وفي هذه النازلة وصف إبراهيم " بالحلم " قيل : إنه لم يغضب قط لنفسه إلا أن يغضب لله. و" الحلم " : العقل إلا إذا انضاف إليه أناة واحتمال. وال ﴿ أواه ﴾ معناه : الخائف الذي يكثر التأوه من خوف الله تعالى ؛ ويروى أن إبراهيم عليه السلام كان يسمع وجيب قلبه من الخشية، قيل : كما تسمع أجنحة النسور وللمفسرين في " الأواه " عبارات كلها ترجع إلى ما ذكرته وتلزمه. وال ﴿ منيب ﴾ : الرجاع إلى الله تعالى في كل أمره.


الصفحة التالية
Icon