إن قيل : المتبادرُ من هذا الكلامِ أن يكون إبراهيمُ عليه السلام قد علِم أنهم مرسَلون لإهلاك قومِ لوطٍ قبل ذهابِ الرَّوع عن نفسه ولكن لم يقدِر على مجادلتهم في شأنهم لاشتغاله بشأن نفسِه فلما ذهب عنه الروعُ فرَغ لها مع أن ذهابَ الروعِ إنما هو قبل العِلم بذلك لقوله تعالى :﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ ﴾ قلنا : كان لوطٌ عليه السلام على شريعة إبراهيمَ عليه السلام وقومُه مكلّفين بها فلما رأى من الملائكة ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمتِه التي من جملتهم قومُ لوط، ولا ريب في تقدم هذا الخوفِ على قولهم : لا تخف، وأما الذي علمه عليه السلام بعد النهي عن الخوف فهو اختصاصُ قومِ لوطٍ بالهلاك لا دخولُهم تحت العموم فتأملْ والله الموفق.
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ ﴾
غيرُ عَجولٍ على الانتقام ممن أساء إليه ﴿ أَوَّاهٌ ﴾ كثيرُ التأوّه على الذنوب والتأسفِ على الناس ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ راجعٌ إلى الله تعالى والمقصودُ بتعداد صفاتِه الجميلةِ المذكورةِ بيانُ ما حَمله عليه السلام على ما صدر عنه من المجادلة.
﴿ يا إِبْرَاهِيمُ ﴾ أي قالت الملائكةُ : يا إبراهيمُ ﴿ أَعْرِضْ عَنْ هذا ﴾ الجدالِ ﴿ إِنَّهُ ﴾ أي الشأنَ ﴿ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ ﴾ أي قَدَرُه الجاري على وفق قضائِه الأزليِّ الذي هو عبارةٌ عن الإرادة الأزليةِ والعنايةِ الإلهية المقتضيةِ لنظام الموجوداتِ على ترتيب خاصَ حسب تعلُّقِها بالأشياء في أوقاتها، وهو المعبّر عنه بالقدر ﴿ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ لا بجدال ولا بدعاء ولا بغيرهما. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾