نحن أعلم بمن فيها لنُنَجِّيَنهُ وأهله } [ العنكبوت : ٣٢ ] قال الأصوليون : إن إبراهيم كان يقول : إن أمر الله ورد بايصال العذاب ومطلق الأمر لا يوجب الفور، والملائكة يدعون الفور إما للقرائن أو لأن مطلق الأمر يستدعي ذلك، فهذه هي المجادلة. أو لعل إبراهيم كان يدعي أن الأمر مشروط لم يحصل بعدوهم لا يسلمون. وبالجملة فإن العلماء يجادل بعضهم بعضاً عند التمسك بالنصوص وليس يوجب القدح في واحد منهم فكذلك ههنا ولذلك مدحه بقوله :﴿ إن إبراهيم لحليم ﴾ غير عجول في الأمور ﴿ أوّاه ﴾ كثير التأوّه من الذنوب ﴿ منيب ﴾ راجع إلى الله في كل ما يسنح له. وهذه الصفات تدل على رقة القلب والشفقة على خلق الله حتى حملته على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع العذاب عنهم.
ولما عرفت الملائكة أن العذاب قد حق عليهم قالوا :﴿ يا إبراهيم أعرض عن هذا ﴾ الجدال ﴿ إنه قد جاء أمر ربك ﴾ بإهلاكهم ﴿ وإنهم آتيهم ﴾ لاحق بهم ﴿ عذاب غير مردود ﴾ فلا راد لقضائه فلا ينفع فيهم جدال ولا دعاء.