وقال الشيخ سيد قطب فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) ﴾
يلم السياق في مروره التاريخي بالمستخلفين من عهد نوح، وبالأمم التي بوركت والأمم التي كتب عليها العذاب.. يلم بطرف من قصة إبراهيم، تتحقق فيه البركات، في الطريق إلى قصة قوم لوط الذين مسهم العذاب الأليم. وفي قصتي إبراهيم ولوط هنا يتحقق وعد الله بطرفيه لنوح :﴿ قيل : يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك. وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾ وقد كانت البركات في إبراهيم وعقبه من ولديه : إسحاق وأبنائه أنبياء بني إسرائيل. وإسماعيل ومن نسله خاتم الأنبياء المرسلين.
﴿ ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ﴾..
ولا يفصح السياق عن هذه البشرى إلا في موعدها المناسب بحضور امرأة إبراهيم! والرسل : الملائكة. وهم هنا مجهولون، فلا ندخل مع المفسرين في تعريفهم وتحديد من هم بلا دليل.
﴿ قالوا : سلاماً. قال : سلام ﴾..
وكان ابراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق، وعبر الأردن، وسكن في أرض كنعان في البادية وعلى عادة البدو في إكرام الأضياف راح إبراهيم يحضر لهم الطعام وقد ظنهم ضيوفاً :
﴿ فما لبث إن جاء بعجل حنيذ ﴾..
أي سمين مشوي على حجارة الرضف المحماة.
ولكن الملائكة لا ياكون طعام أهل الأرض :
﴿ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ﴾..
أي لا تمتد إليه.
﴿ نكرهم وأوجس منهم خيفة ﴾..
فالذي لا يأكل الطعام يريب، ويشعر بأنه ينوي خيانة أو غدراً بحسب تقاليد أهل البدو.. وأهل الريف عندنا يتحرجون من خيانة الطعام، أي من خيانة من أكلوا معه طعاماً! فإذا امتنعوا عن طعام أحد فمعنى هذا أنهم ينوون به شراً، أو أنهم لا يثقون في نياته لهم.. وعند هذا كشفوا له عن حقيقتهم :
﴿ قالوا : لا تخف، إنا أرسلنا إلى قوم لوط ﴾..