ولما دعا إلى العدل فيما بينهم وبين الله، دعاهم إلى العدل فيما بينهم وبين عبيده في أقبح ما كانوا قد اتخذوه بعد الشرك ديدناً فقال :﴿ولا تنقصوا﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿المكيال والميزان﴾ لا الكيل ولا آلته ولا الوزن ولا آلته ؛ والكيل : تعديل الشيء بالآلة في القلة والكثرة ؛ والوزن : تعديله في الخفة والثقل، فالكيل للعدل في الكمية والوزن للعدل في الكيفية ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إني أراكم بخير﴾ أي بسعة تغنيكم عن البخس - مرهباً ومرغباً بالإشارة إلى أن الكفر موجب للنقمة كما أن الشكر موجب للنعمة.
ولما كان كأنه قيل : فإني أخاف عليكم الفقر بالنقص، عطف عليه مؤكداً لإنكارهم :﴿وإني أخاف عليكم﴾ به وبالشرك ﴿عذاب يوم محيط﴾ بكم صغاراً وكباراً وبأموالهم طيباً وخبيثاً، أي مهلك كقوله ﴿وأحيط بثمره﴾ [ الكهف : ٤٢ ] وأصله من إحاطة العدو، ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ لأنه محيط بما فيه من عذاب وغيره، والعذاب محيط بالمعذب فذكر المحيط بالمحيط أهول، وهو الدائر بالشيء من كل جانب، وذلك يكون بالتقاء طرفيه ؛ والنقصان : أخذ شيء من المقدار كما أن الزيادة ضم شيء إليه، وكلاهما خروج عن المقدار ؛ والوزن، تعديل الشيء بالميزان، كما أن الكيل تعديله بالمكيال، ومن الإحاطة ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال :
" لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ".