وقال ابن عطية :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾
التقدير :﴿ وإلى مدين ﴾ أرسلنا ﴿ أخاهم شعيباً ﴾، واختلف في لفظة ﴿ مدين ﴾ فقيل : هي بقعة، فالتقدير على هذا : وإلى أهل مدين - كما قال :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يونس : ٤٢ ] - وقيل كان هذا القطر في ناحية الشام، وقيل ﴿ مدين ﴾ اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه، و﴿ مدين ﴾ لا ينصرف في الوجهين، حكى النقاش أن ﴿ مدين ﴾ هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن ﴿ شعيباً ﴾ عربي، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط، ودعاء " شعيب " إلى " عبادة الله " يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان، وذلك بين من قولهم فيما بعد، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافياً ويعطوا ناقصاً في وزنهم وكيلهم، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضاً.
وقوله ﴿ بخير ﴾ قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار، و﴿ عذاب اليوم المحيط ﴾ هو حلول الغلاء المهلك. وينظر هذا التأويل إلى قول النبي ﷺ :" ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق " وقيل لهم قوله :﴿ بخير ﴾ عام في جميع نعم الله تعالى، و﴿ عذاب اليوم ﴾ هو الهلاك الذي حل بهم في آخر، وجميع ما قيل في لفظ " خير " منحصر فيما قلناه.
ووصف " اليوم " ب " الإحاطة " وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف " اليوم " ب " الإحاطة " على تقدير : محيط شره. ونحو هذا.