وكرر عليهم الوصية في " الكيل والوزن " تأكيداً وبياناً وعظة لأن ﴿ لا تنقصوا ﴾ هو ﴿ أوفوا ﴾ بعينه. لكنهما منحيان إلى معنى واحد.
قال القاضي أبو محمد : وحدثني أبي رضي الله عنه، أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يعظ الناس في الكيل والوزن فقال : اعتبروا في أن الإنسان إذا رفع يده بالميزان فامتدت أصابعه الثلاث والتقى الإبهام والسبابة على ناصية الميزان جاء من شكل أصابعه صورة المكتوبة فكأن الميزان يقول : الله الله.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وعظ مليح مذكر. و﴿ القسط ﴾ العدل ونحوه، و" البخس " النقصان، و﴿ تعثوا ﴾ معناه : تسعون في فساد، وكرر ﴿ مفسدين ﴾ على جهة التأكيد، يقال عثا يعثو أو عثى يعثي، وعث يعث، وعاث يعيث - إذا أفسد ونحوه من المعنى، العثة : الدودة التي تفسد ثياب الصوف.
وقوله :﴿ بقيت الله ﴾ قال ابن عباس معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن حير لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد : معناه طاعة الله، وقال ابن عباس - أيضاً - معناه رزق الله، وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية، وإنما المعنى عندي - إبقاء الله عليكم إن أطعتم. وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء وهي لغة.
وقوله :﴿ إن كنتم مؤمنين ﴾ شرط في أن تكون البقية خيراً لهم، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال، وجواب هذا الشرط، متقدم، و" الحفيظ " المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب، والمعنى : إنما أنا مبلغ والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾