وقال أبو حيان :
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ﴾
كان قوم شعيب عبدة أوثان، فدعاهم إلى عبادة الله وحده.
وبالكفر استوجبوا العذاب، ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر، وإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة.
قال ابن عباس : بخير أي : في رخص الأسعار وعذاب اليوم المحيط، هو حلول الغلاء المهلك.
وينظر هذا التأويل إلى قول النبي ( ﷺ ) :" ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق " ونبه بقوله بخير على العلة المقتضية للوفاء لا للنقص.
وقال غيره : بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف، أو بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه.
يوم محيط أي : مهلك من قوله :﴿ وأحيط بثمره ﴾ وأصله من إحاطة العدو، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره.
ووصف اليوم بالإحاطة أبلغ من وصف العذاب به، لأن اليوم زمان يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمعذب ما اشتمل عليه منه، كما إذا أحاط بنعيمه.
ونهوا أولاً : عن القبيح الذي كانوا يتعاطونه وهو نقص المكيال والميزان، وفي التصريح بالنهي نعي على المنهى وتعيير له.
وأمروا ثانياً : بإيفائهما مصرحاً بلفظهما ترغيباً في الإيفاء، وبعثا عليه.
وجيء بالقسط ليكون الإيفاء على جهة العدل والتسوية وهو الواجب، لأنّ ما جاوز العدل فضل وأمر منذوب إليه.
ونهوا ثالثاً : عن نقص الناس أشياءهم، وهو عام في الناس، وفيما بأيديهم من الأشياء كانت مما تكال وتوزن أو غير ذلك.
ونهوا رابعاً : عن الفساد في الأرض وهو أعم من أن يكون نقصاً أو غيره، فبدأهم أولاً بالمعصية الشنيعة التي كانوا عليها بعد الأمر بعبادة الله، ثم ارتقى إلى عام، ثم إلى أعم منه وذلك مبالغة في النصح لهم ولطف في استدراجهم إلى طاعة الله.
وتفسير معاني هذه الجمل سبق في الأعراف.


الصفحة التالية
Icon