ولذلك أقول دائماً :
إن علة كل تكليف هي الإيمان بالمكلِّف، ولا داعي للبحث عن علة أخرى.
فمثلاً حيث يُقَال : إن علة الوضوء النظافة، نقول : وإن لم يوجد ماء، فنحن نلمس التراب أو الحجر ثم نمسح وجوهنا في التيمم.
إذن : فالمقصد هو أن نتهيأ للصلاة بأي شكل يحقق مقصود العبادة وهو الطاعة للخالق سبحانه وتعالى.
وإياك أن تؤخر تنفيذ الحكم إلى أن تبرره ؛ لأن مبرره هو صدوره عن الله سبحانه وتعالى.
وكذلك كل شيء يقوله رسول الله ﷺ فنحن نتبعه، ولا نبحث عن علة له، وإلا لو كنا نؤجل الأحكام إلى أن تثبت تبريراتها العلمية مثل فساد لحم الخنزير بما يحمله من أمراض، ومثل قدرة الخمر على إهلاك المخ وتدمير خلاياه، فضلاً عن تدمير خلايا الكبد، فنحن لو كنا قد أجلنا تلك الأحكام، فماذا كان الموقف؟
لقد طبَّق المسلمون هذه الأحكام فور نزولها ؛ لإيمانهم بالمنهج وحبهم في القرب من الله، ثم أثبتت الأيام صدق الله تعالى في تكليفه.
وهنا يقول الحق سبحانه :
﴿ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ ﴾ [ هود : ٨٤ ].
وعرفنا أن العبادة ليست محصورة في الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج ؛ لأن هذه هي الأركان الأساسية التي يقوم عليها الإسلام ؛ ولكن الإسلام أيضاً هو عمارة الأرض بتنفيذ كل التكاليف، وكل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإقبال الإنسان على مهنة ما يحتاجها المجتمع هو عبادة، وإذا خلتْ صنعة من صانع فعلى ولي الأمر أن يكلف ويرغم بعض الناس على تعلمها ؛ وأيضاً إتقان الصنعة عبادة.
وقول الحق سبحانه على لسان شعيب عليه السلام :
﴿ مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ ﴾ [ هود : ٨٤ ].
أي : إياك أن تأخذ حكماً تكليفياً من أحد آخر غير الله سبحانه وتعالى، لأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.


الصفحة التالية
Icon