ولذلك شاء الحق سبحانه أن يكون محمد ﷺ هو خاتم الرسل.
وكانت خيبة آل مدين هي عدم عبادة الله وحده، وكذلك كانت فيهم خسيسة التطفيف في الكيل والميزان، لذلك يقول الحق سبحانه على لسان شعيب عليه السلام :
﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾ [ هود : ٨٤ ].
وحين قرأ العلماء هذا القول الكريم لم يلتفتوا إلى أن المراد ليس نقص المكيل والموزون، لأنه لو شاء لقال :" ولا تنقصوا المكيل أو الموزون " هذا إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة ما يريد البائع، ولكن القول هنا يقصد أن يأخذ كل ذي حق حقه، أن يأخذ المشتري حقه من السلعة، وأن يأخذ البائع حقه في الربح.
إذن : فهذا القول الكريم يشمل البائع والمشتري معاً.
والكيل كما نعرف هو تعديل شيء بشيء، فإن كان في الخفة والثقل ؛ فالأمر يحتاج إلى ميزان، وإن كان تعديل شيء بشيء في الكم، فهذا يحتاج إلى الكيل، وهذا هو الأمر المشهور في الكيل والميزان، وأي تعديل شيء بشيء يحتاج إلى ما يناسبه ؛ فالقماش مثلاً يتم تعديله بالمتر، والأرض يتم تعديلها بالمساحة ؛ أي : قياس الطول والعرض، وبعض الأشياء تُباع بالحجم، وهذا يعني قياس الطول والعرض والارتفاع واستخراج الناتج بعملية ضرب كل منهم في الآخر.
إذن : فالأمر المهم هو أن يأخذ كل إنسان حقه، حتى وإن كان تأجير قوة عامل لينجز عملاً، فأنت تعدل زمن وقوة العمل بالأجر الملائم، والأمر المشهور هو الكيل والميزان، لكن بقية التقييمات موجودة ؛ ليأخذ كل ذي حق حقه.
لأن الإنسان لو أخذ غير حقه لاستمرأ أن يأخذ حقوق الناس، ولو أكل بعض الناس حقوق البعض الآخر ؛ لَزهدَ من أكلتْ حقوقهم في العمل.
وأنت حين تعطي للإنسان أقل مما يستحق، أو تأخذ من جهده فوق ما تدفع له من أجر، تجده يبطىء في العمل، ولا ينجز المطلوب منه على تمام الدقة، ومن هنا يحدث الخلل.


الصفحة التالية
Icon