ولذلك أقول : إن إعطاء كل ذي حق حقه يزيد من جودة الأداء في العمل.
وعلينا أن نترك صاحب الطموح ليعمل ؛ بدلاً من أن يخزن ماله أو يكنزه ؛ لأن صاحب الطموح حين يقيم مشروعاً أو بناءً ؛ فهو يفيد الفقراء وينفعهم حتى وإن كان لا يفكر في ذلك فالذي يبني عمارة سكنية ينفع الصناع والعمال ومنتجي المواد اللازمة للبناء دون أن يقصد وسينتفع العامل الفقير دون أن يقصد صاحب العمل وربما انتفع كل الفقراء مما يصنعه صاحب العمل، قبله فيما يفعل.
إذن : فمن المهم أن يأخذ كل إنسان حقه قبل أن يجف عرقه ؛ مصداقاً لقول رسول الله ﷺ :" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ".
وهكذا نعلم أن الدين في ظاهر الأمر يحض على الإيثار، وفي واقع الأمر، هو يحرص على تأكيد ثواب الإنسان عند ربه ؛ لأن الذي يؤثر غيره على نفسه ولو كان به خصاصة لو كان معه مال قليل وأعطاه لآخر عنده ضائقة، وليس عند هذا الآخر مال، هنا يكون صاحب المال القليل قد آثر الآخر على نفسه في ظاهر الأمر، ولكنه سيأخذ أضعاف هذا المال ثواباً من عند الله تعالى.
وهكذا يعلمنا الدين النفعية الراقية، وهي النفعية التي يعاملنا بها الله سبحانه ؛ وحين نترك قانون النفعية ليسيطر على حركة الناس، فنحن نوفر سيولة الانتفاع في المجتمع.
وهنا في الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها عرفنا أن شعيباً قال لأهل مدين :
﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ﴾ [ هود : ٨٤ ].
أي : أنكم يا أهل مدين غير مضطرين لذلك ؛ لأن من يبيع منكم عنده سلع، ومن يشتري إنما يملك نقوداً، فاكتفوا بالخير الذي عندكم، وليأخذ كل ذي حق حقه، وهذه قضية يغفل عنها كثير من الناس ؛ فالذي يبيع قد يبيع صنفاً واحداً، فإن غش في الكيل أو الميزان، فسوف يغشه ويخدعه غيره في الأصناف الأخرى التي تلزمه لحياته.


الصفحة التالية
Icon