وإن اشتغل واحد في إنقاص الكيل والميزان، فالآخرون سيفعلون مثل ذلك في كل ما يخص حياته ؛ لأن المخادع الواحد، سيلقي مخادعين كثيرين، وهنا يقول شعيب عليه السلام : ما الذي يضطركم إلى ذلك وأنتم بخير؟
ثم يقول محذراً :
﴿ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ﴾ [ هود : ٨٤ ].
لانك حين تنقص شيئاً وأنت تبيع أو تزيد شيئاً حين تشتري، فأنت لا تخدع من تتعامل معه، وإنما تخدع نفسك.
وكلنا يعلم أن الغفلة قد تطرأ على البائع، وقد تطرأ على المشتري، وقد يحاول بائع أن يستغل غفلة المشتري فيزيد من ثقل الميزان بإصبعه، وقد يحاول المشتري أن يستغل غفلة البائع بأن يرفع كفة الميزان بإصبعه من غير أن يراه البائع، فيأخذ غير حقه، وهذا نوع من خداع النفس ؛ لأن الحق سبحانه إنما يأمر بالاستقامة في البيع والشراء ؛ لأن الانتفاع بأي شيء مهما كَثُر، فهو موقوت بعمر الإنسان في الدنيا، وعمر الإنسان موقوت، ولكن الذي يغش ويخدع إنما يُعرِّض نفسه لعذاب الله سبحانه في الآخرة، وهو عذاب بلا أمد ولا نهاية.
وهكذا يسلِّم الإنسان نفسه لفائدة قليلة في الدنيا الزائلة، ثم يلقى عذاباً لا ينتهي في آخرة غير زائلة.
والعذاب في الآخرة عذاب محيط، بمعنى أن المعذَّب لا يستطيع أن يفلت منه، فأنت في الدنيا بإمكانك أن تحتال في النجاة من العذاب، وقد تلجأ إلى من هو أقوى منك ليحميك، ولكنك في الآخرة تواجه يوماً لا بيع فيه ولا خُلَّة ولا شفاعة، إن كنت من أهل النار.
يقول الحق سبحانه بعد ذلك ما جاء على لسان شعيب مواصلاً الحديث إلى أهل مدين :
﴿ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ﴾
وفي الآية الكريمة السابقة قال الحق سبحانه :
﴿ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان ﴾ [ هود : ٨٤ ].


الصفحة التالية
Icon