وهكذا نعلم أن عدم الإنقاص في الكيل والميزان مطلوب، وكذلك توفية المكيال والميزان مطلوبة ؛ لأنهما أمر واحد، والحق سبحانه لا يتكلم عن المكيل ولا عن الموزون إلا بإطلاقهما، وهو كل عمل فيه واسطة بين البائع والمشتري.
وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول الحق سبحانه :
﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [ المطفيين : ١٣ ].
ذلك لأن البائع قد يقول لك : أنت مأمون فزِنْ أنت لنفسك أو كِلْ أنت لنفسك، وقد تخدع البائع فتأخذ أكثر من حقك ؛ وقد يفعل البائع عكس ذلك، وفي مثل هذا بؤس للاثنين.
وهنا يقول شعيب عليه السلام :
﴿ وياقوم أَوْفُواْ المكيال والميزان بالقسط ﴾ [ هود : ٨٥ ].
والحق سبحانه هنا تكلم عن النقص وعن الإيفاء.
ثم يقول سبحانه :
﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ ﴾ [ هود : ٨٥ ].
وهذا كلام عام لا ينحصر في مكيل أو موزون، فقد يأتي مشترٍ ليبخس من قيمة سلعة ما، أو أن يأخذ رشوة لقضاء مصلحة، أو يخطف ما ليس حقّاً له، أو يغتصب، أو يختلس، وكلها أمور تعني : أخذ غير حق بوسائل متعددة.
ونحن نعلم أن الخطف إنما يعني أن يمد إنسان يده إلى ما يملكه آخر ويأخذه ويجري، أما الغصب، فهو أن يمد إنسان يده ليأخذ شيئاً، فيقاومه صاحب الشيء، لكن المغتصب يأخذ الشيء عنوة، أما المختلس فهو المأمون على شيء فاختلسه، والمرتشي هو من أخذ مالاً أو شيئاً مقابل خدمة هي حق لمن يطلبها.
إذن : فقول الحق سبحانه وتعالى :
﴿ وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ ﴾ [ هود : ٨٥ ].
تضم أشياء متعددة.
والبخس هو أن تضر غيرك ضرراً، بإنقاص حقه، سواء أكان له حجم، أو ميزان، أو كَمٌّ، أو كَيْفٌ.
وكلمة " أشياء " مفردها :" شيء "، ويقولون عن الشيء :" جنس الأجناس " فالثمرة يقال لها :" شيء "، وكل الثمر يقال له :" شيء ".


الصفحة التالية
Icon