وأما الوجه الثالث : من الوجوه التي ذكرها شعيب عليه السلام فهو قوله :﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح مَا استطعت﴾ والمعنى ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي، وقوله :﴿مَا استطعت﴾ فيه وجوه : الأول : أنه ظرف والتقدير : مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكناً منه لا آلو فيه جهداً.
والثاني : أنه بدل من الإصلاح، أي المقدار الذي استطعت منه.
والثالث : أن يكون مفعولاً له أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه.
واعلم أن المقصود من هذا الكلام أن القوم كانوا قد أقروا بأنه حليم رشيد، وإما أقروا له بذلك لأنه كان مشهوراً فيما بين الخلق بهذه الصفة، فكأنه عليه السلام قال لهم إنكم تعرفون من حالي أني لا أسعى إلا في الإصلاح وإزالة الفساد والخصومة، فلما أمرتكم بالتوحيد وترك إيذاء الناس، فاعلموا أنه دين حق وأنه ليس غرضي منه إيقاع الخصومة وإثارة الفتنة، فإنكم تعرفون أني أبغض ذلك الطريق ولا أدور إلا على ما يوجب الصلح والصلاح بقدر طاقتي، وذلك هو الإبلاغ والإنذار، وأما الإجبار على الطاعة فلا أقدر عليه، ثم إنه عليه السلام أكد ذلك بقوله :﴿وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ وبين بهذا أن توكله واعتماده في تنفيذ كل الأعمال الصالحة على توفيق الله تعالى وهدايته.


الصفحة التالية
Icon