﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١) ﴾
اعلم أنه عليه السلام لما بالغ في التقرير والبيان، أجابوه بكلمات فاسدة.
فالأول : قولهم :﴿ياشعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
لقائل أن يقول : أنه عليه السلام كان يخاطبهم بلسانهم، فلم قالوا :﴿مَا نَفْقَهُ﴾ والعلماء ذكروا عنه أنواعاً من الجوابات : فالأول : أن المراد : ما نفهم كثيراً مما تقول، لأنهم كانوا لا يلقون إليه أفهامهم لشدة نفرتهم عن كلامه وهو كقوله :﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ [ الأنعام : ٢٥ ] الثاني : أنهم فهموه بقلوبهم ولكنهم ما أقاموا له وزناً، فذكروا هذا الكلام على وجه الاستهانة كما يقول الرجل لصاحبه إذ لم يعبأ بحديثه : ما أدري ما تقول.
الثالث : أن هذه الدلائل التي ذكرها ما أقنعتهم في صحة التوحيد والنبوة والبعث، وما يجب من ترك الظلم والسرقة، فقولهم :﴿مَا نَفْقَهُ﴾ أي لم نعرف صحة الدلائل التي ذكرتها على صحة هذه المطالب.
المسألة الثانية :
من الناس من قال : الفقه اسم لعلم مخصوص، وهو معرفة غرض المتكلم من كلامه واحتجوا بهذه الآية وهي قوله :﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ﴾ فأضاف الفقه إلى القول ثم صار اسماً لنوع معين من علوم الدين، ومنهم من قال : إنه اسم لمطلق الفهم.
يقال : أوتي فلان فقهاً في الدين، أي فهماً.
وقال النبي ﷺ :" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " أي يفهمه تأويله.
والنوع الثاني : من الأشياء التي ذكروها قولهم :﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ وفيه وجهان : الأول : أنه الضعيف الذي يتعذر عليه منع القوم عن نفسه، والثاني : أن الضعيف هو الأعمى بلغة حمير.


الصفحة التالية
Icon