فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين سائر الآيات التي توهم كونها مناقضة لهذه الآية منها قوله تعالى :﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تجادل عَن نَّفْسِهَا﴾ [ النحل : ١١١ ] ومنها أنهم يكذبون ويحلفون بالله عليه وهو قولهم :﴿والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] ومنها قوله تعالى :﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مسؤلون﴾ [ الصافات : ٢٤ ] ومنها قوله :﴿هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يؤذن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [ المرسلات : ٣٥ ].
والجواب من وجهين : الأول : أنه حيث ورد المنع من الكلام فهو محمول على الجوابات الحقية الصحيحة.
الثاني : أن ذلك اليوم يوم طويل وله مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم.
أما قوله :﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال صاحب "الكشاف" : الضمير في قوله :﴿فَمِنْهُمْ﴾ لأهل الموقف ولم يذكر لأنه معلوم ولأن قوله :﴿لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ يدل عليه لأنه قد مر ذكر الناس في قوله :﴿مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس﴾ [ هود : ١٠٣ ].
المسألة الثانية :
قوله :﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ يدل ظاهره على أن أهل الموقف لا يخرجون عن هذين القسمين.
فإن قيل : أليس في الناس مجانين وأطفال وهم خارجون عن هذين القسمين ؟
قلنا : المراد من يحشر ممن أطلق للحساب وهم لا يخرجون عن هذين القسمين.
فإن قيل : قد احتج القاضي بهذه الآية على فساد ما يقال إن أهل الأعراف لا في الجنة ولا في النار فما قولكم فيه ؟
قلنا : لما سلم أن الأطفال والمجانين خارجون عن هذين القسمين لأنهم لا يحاسبون فلم لا يجوز أيضاً أن يقال : إن أصحاب الأعراف خارجون عنه لأنهم أيضاً لا يحاسبون، لأن الله تعالى علم من حالهم أن ثوابهم يساوي عذابهم، فلا فائدة في حسابهم.


الصفحة التالية
Icon