وفي الحديث :" فإنّما أهلكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم "، فلا جرم أن كانت الاستقامة حائلاً دون ذلك، إذ الاستقامة هي العمل بكمال الشريعة بحيث لا ينحرف عنها قِيد شبر.
ومتعلقها العمل بالشريعة بعد الإيمان لأنّ الإيمان أصل فلا تتعلّق به الاستقامة.
وقد أشار إلى صحّة هذا المعنى قول النبي ﷺ لأبِي عَمْرَةَ الثقفي لمّا قال له :"يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك.
قال : قل آمنت بالله ثم استَقِمْ" فجعل الاستقامة شيئاً بعد الإيمان.
ووُجّه الأمر إلى النبي ﷺ تنويهاً بشأنه ليبني عليه قوله :﴿ كما أمرتَ ﴾ فيشير إلى أنّه المتلقّي للأوامر الشرعيّة ابتداء.
وهذا تنويه له بمقام رسالته، ثم أُعلم بخطاب أمّته بذلك بقوله :﴿ ومن تاب معك ﴾.
وكاف التّشبيه في قوله :﴿ كما أمرت ﴾ في موضع الحال من الاستقامة المأخوذة من ( استقم ).
ومعنى تشبيه الاستقامة المأمور بها بما أمر به النبي ﷺ لكون الاستقامة مماثلة لسائر ما أمر به، وهو تشبيه المجمل بالمفصّل في تفصيله بأن يكون طبقه.
ويؤول هذا المعنى إلى أن تكون الكاف في معنى ( على ) كما يقال : كن كما أنت.
أي لا تتغيّر، ولتشبه أحوالك المستقبلة حالتك هذه.
﴿ ومن تاب ﴾ عطف على الضمير المتّصل في ﴿ أمرت ﴾.
ومصحّح العطف موجود وهو الفصل بالجار والمجرور.
﴿ ومن تاب ﴾ هم المؤمنون، لأنّ الإيمان توبة من الشّرك، و ﴿ معك ﴾ حال من ﴿ تاب ﴾ وليس متعلّقاً بـ ﴿ تاب ﴾ لأنّ النبي ﷺ لم يكن من المشركين.
وقد جمع قوله :﴿ فاستقم كما أمرت ﴾ أصول الصّلاح الديني وفروعه لقوله :﴿ كما أمرتَ ﴾.
قال ابن عبّاس : ما نزل على رسول الله ﷺ آية هي أشدّ ولا أشق من هذه الآية عليه.
ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب "شيبتني هود وأخواتها".


الصفحة التالية
Icon