وسئل عمّا في هود فقال : قوله ﴿ فاستقم كما أمرت ﴾.
الخطاب في قوله :﴿ ولا تطغوا ﴾ موجه إلى المؤمنين الذين صدق عليهم ﴿ ومن تاب معك ﴾.
والطغيان أصله التّعاظم والجراءة وقلة الاكتراث، وتقدّم في قوله تعالى :﴿ ويمدُّهم في طغيانهم يعمهون ﴾ في سورة [ البقرة : ١٥ ].
والمراد هنا الجراءة على مخالفة ما أمروا به، قال تعالى :﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي ﴾ [ طه : ٨١ ].
فنهى الله المسلمين عن مخالفة أحكام كتابه كما نهى بني إسرائيل.
وقد شمل الطغيان أصول المفاسد، فكانت الآية جامعة لإقامة المصالح ودَرْء المفاسد، فكان النهي عنه جامعاً لأحوال مصادر الفساد من نفس المفسد وبقي ما يخشى عليه من عدوى فساد خليطه فهو المنهى عنه بقوله بعد هذا :﴿ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ﴾ [ هود : ١١٣ ].
وعن الحسن البصري : جعل الله الدّين بين لاءَيْن ﴿ ولا تطغوا ﴾ ﴿ ولا تركنوا ﴾ [ هود : ١١٣ ].
وجملة ﴿ إنّه بما تعملون بصير ﴾ استئناف لتحذير من أخفى الطغيان بأن الله مطلع على كل عمل يعمله المسلمون، ولذلك اختير وصف ﴿ بصير ﴾ من بين بقية الأسماء الحسنى لدلالة مادته على العلم البين ودلالة صيغته على قوته.
﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾
الرّكُون : الميل والموافقة، وفعله كعَلِم.
ولعلّه مشتق من الرُكْن بضم فسكون وهو الجنب، لأنّ المائل يدني جنبه إلى الشيء الممال إليه.
وهو هنا مستعار للموافق، فبعد أن نهاهم عن الطغيان نهاهم عن التقارب مِن المشركين لئلاّ يضلوهم ويزلوهم عن الإسلام.
و﴿ الذين ظلموا ﴾ هم المشركون.
وهذه الآية أصل في سدّ ذرائع الفساد المحقّقة أو المظنونة.
والمسّ : مستعمل في الإصابة كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ إنّ الذين اتّقوا إذا مسّهم طائفٌ من الشّيطان ﴾ في آخر الأعراف ( ٢٠١ )، والمراد : نار العذاب في جهنّم.


الصفحة التالية
Icon