وهكذا يصادف الخبر ذهن المستمع الخالي، فإن قال لك :" لكن فلاناً كان بالأمس في مكان آخر "، فأنت تقول له :" إن فلاناً زارني بالأمس ".
وحين يرد عليك السامع :" لكنني قابلت فلاناً الذي تتحدث عنه أمس في المكان الفلاني ".
وهنا قد تؤكد قولك :" والله لقد زارني فلان بالأمس ".
إذن : فأنت تأتي بالتوكيد على حَسْب درجة الإنكار.
وحين يؤجل الحق سبحانه العذاب لبعض الناس في الدنيا، قد يقول غافل : لعل الله لم يعد يعذِّب أحداً.
ولذلك بيَّن الحق سبحانه مؤكداً أن الحساب قادم، لكل من الطائع والمصدِّق، والعاصي المكذِّب، فقال سبحانه :
﴿ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [ هود : ١١١ ].
والذين لم تستقم لهم اللغة كملكة، كالمستشرقين، وأخذوها صناعة، توقفوا عند هذه الآية وقالوا : لماذا جاء بالتنوين في كلمة " كلاً "؟
وهم لم يعرفوا أن التنوين يغني عن جملة، فساعة تسمع أو تقرأ التنوين، فاعلم أنه عِوَضٌ عن جملة، مثل قول الحق سبحانه :
﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ [ الواقعة : ٨٣٨٤ ].
و" كلاً " في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها توجز أن كلاً من الطائع المؤمن، والعاصي الكافر، سوف يلقى جزاءه ثواباً أو عقاباً.
أما قوله سبحانه :﴿ لَّمَّا ﴾ في نفس الآية، فنحن نعلم أن " لما " تستعمل في اللغة بمعنى " الحين " و " الزمان " مثل قول الحق سبحانه :
﴿ وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ].
ومثل قوله سبحانه :
﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ العير قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ [ يوسف : ٩٤ ].
أي حين فصلت العير وخرجت من مصر قال أبوهم :﴿ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾ [ يوسف : ٩٤ ].
و" لما " تأتي أيضاً للنفي مثل قوله سبحانه :