﴿ قَالَتِ الأعراب آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [ الحجرات : ١٤ ].
أي : أن الإيمان لم يدخل قلوبهم بعد، وتحمل كلمة " لما " الإذن بأن الإيمان سوف يدخل قلوبهم بعد ذلك.
وحين تستخدم كلمة " لما " في النفي تكون " حرفاً " مثلها مثل كلمة " لم "، ولكنها تختلف عن " لم " لأن " لم " تجزم الفعل المضارع، ولا يتصل نفيها بساعة الكلام، بل بما مضى، وقد يتغير الموقف. أما " لما " فيتصل نفيها إلى وقت الكلام، وفيها إيذان بأن يحدث ما تنفيه.
وهكذا نفهم أن قول الحق سبحانه :
﴿ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [ هود : ١١١ ].
أي : أن كلاً من الطائع والعاصي سيوفَّى حسابه وجزاؤه ثواباً أو عقاباً، حين يأتي أجل التوفية، وهو يوم القيامة.
وقد جاءت " لما " لتخدم فكرة العقوبة التي كانت تأتي في الدنيا، وشاء الله سبحانه أن يؤجل العقوبة للكافرين إلى الآخرة، وأنسب حرف للتعبير عن ذلك هو " لما ".
وحين تقرأ ﴿ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ﴾ تجد اللام، وهي لام القسم بأن الحق سبحانه سيوفيهم حسابهم إن ثواباً أو عقاباً.
والله سبحانه بما يفعل العباد خبير، هو سبحانه يعلم أفعال العبد قبل أن تقع، ولكنها حين تقع لا يمكن أن تُنسَى أو تذهب أدراج الرياح ؛ لأن من يعلمها هو " الخبير " صاحب العلم الدقيق، والخبير يختلف عن العالِم الذي قد يعلم الإجماليات، لكن الخبير هو المدرَّب على التخصص.
ولذلك غالباً ما تأتي كلمتا " اللطيف والخبير " معاً ؛ لأن الخبير هو من يعلم مواقع الأشياء، واللطيف هو من يعرف الوصول إلى مواقع تلك الأشياء.


الصفحة التالية
Icon