وهنا يقول الحق سبحانه :﴿ فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ ﴾
والاستقامة معناها : عدم الميل أو الانحراف ولو قيد شعرةٍ وهذا أمر يصعب تحقيقه ؛ لأن الفاصل بين الضدين، أو بين المتقابلين هو أدق من الشعرة في بعض الأحيان.
ومثال ذلك : حين ترى الظل والضوء، فأحياناً يصعد الظل على الضوء، وأحياناً يصعد الضوء على الظل، وسنجد صعوبة في تحديد الفاصل بين الظل والنور، مهما دقت المقاييس.
وهكذا يصبح فصل الشيء عن نقيضه صعباً، ولذلك فالاستقامة أمر شاق للغاية.
وساعة أن نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ :" شيبتني هود وأخواتها ".
ولولا أن قال الحق سبحانه في كتابه الكريم :
﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ].
فلولا نزول هذه الآية لتعب المسلمون تماماً، وقد أنزل الحق سبحانه هذا القول بعد أن قال :
﴿ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ].
وعزَّ ذلك على صحابة رسول الله ﷺ، فأنزل الحق سبحانه ما يخفف به عن أمة محمد ﷺ بأن قال سبحانه :
﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ].
إذن : فالأمر بالاستقامة هو أمر بدقة الأداء المطلوب لله أمراً ونهياً، بحيث لا نميل إلى جهة دون جهة.
وهكذا تطلب الاستقامة كامل اليقظة وعدم الغفلة.
ويقول الحق سبحانه :
﴿ فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ﴾ [ هود : ١١٢ ].
وهذا إيذان بألاَّ ييأس رسول الله ﷺ من وقوف صناديد قريش أمام دعوته ﷺ ؛ لأنهم سيتساقطون يوماً بعد يوم.
وقول الحق سبحانه :
﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [ هود : ١١٢ ].
يعني ألا نتجاوز الحد، فالطغيان هو مجاوزة الحد.
وهكذا نعلم أن الإيمان قد جعل لكل شيء حدّاً، إلا أن حدود الأوامر غير حدود النواهي ؛ فالحق سبحانه إن أمرك بشيء، فهو يطلب منك أن تلتزمه ولا تتعده.
وقال الحق سبحانه :