الثاني : ما ذهب إليه المهدويُّ ومكي وهو : أن يكونَ الأصل : لمَنْ ما بفتح ميم " مَنْ " على أنها موصولة أو موصوفة، و " ما " بعدها مزيدةٌ فقال :" فقلبت النونُ ميماً، وأُدْغمت في الميم التي بعدها، فاجتمع ثلاثُ ميمات، فحُذِفَت الوُسْطى منهن، وهي المبدلةُ من النون، فقيل " لَمَّا ". قال مكي :" والتقدير : وإنْ كلاً لَخَلْقٌ لَيوفينَّهم ربك أعمالهم "، فترجعُ إلى معنى القراءة الأولى بالتخفيف، وهذا الذي حكاه الزجاج عن بعضهم فقال :" زَعَمَ بعضُ النحويين أن أصله لمَنْ ما، ثم قلبت النون ميماً، فاجتمعت ثلاثُ ميمات، فَحُذِفت الوسطى " قال :" وهذا القولُ ليس بشيءٍ، لأنَّ " مَنْ " لا يجوز حَذْفُ بعضها لأنها اسمٌ على حرفين ".
وقال النحاس :" قال أبو إسحاق : هذا خطأ، لأنه تُحْذف النونُ مِنْ " مَنْ " فيبقى حرفٌ واحد ". وقد رَدَّه الفارسيُّ أيضاً فقال :" إذ لم يَقْوَ الإِدغام على تحريك الساكن قبل الحرف المدغم في نحو " قدم مالك " فأَنْ لا يجوزُ الحَذْفُ أَجْدَرُ " قال :" على أنَّ في هذه السورة ميماتٍ اجتمعَتْ في الإِدغام أكثرَ ممَّا كانَتْ تجتمع في " لَمَنْ ما " ولم يُحذفْ منها شيءٌ، وذلك في قولِه تعالى :
﴿ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ [ هود : ٤٨ ]، فإذا لم يُحْذَفْ شيءٌ مِنْ هذا فأن لا يُحْذَفَ ثَمَّ أَجْدَرُ ". قلت : اجتمع في " أمم ممَّن مَعَك " ثمانيةُ ميماتٍ وذلك أن " أمماً " فيها ميمان وتنوين، والتنوين يُقْلب ميماً لإِدغامه في ميم " مِنْ " ومعنا نونان : نونُ مِنْ الجارة ونون مَنْ الموصولة فيقلبان أيضاً ميماً لإِدغامهما في الميم بعدهما، ومعنا ميم " معك "، فحَصَّل معنا خمسُ ميماتٍ ملفوظٌ بها، وثلاثٌ منقلبةٌ إحداها عن تنوين، واثنتان نون.
واستدلَّ الفراء على أن أصل " لَمَّا " " لمِنْ ما " بقول الشاعر :


الصفحة التالية
Icon