فأبو عبيد أنكر مجيء " لمَّا " بمعنى " إلا " مطلقاً، والفراء جَوَّز ذلك في القسم خاصةً، وتبعه الفارسي في ذلك فإنه قال في تشديد " لمَّا " في هذه الآية :" لا يصلح أن تكون بمعنى " إلا " ؛ لأن " لَمَّا " هذه لا تفارق القسم " وردَّ الناس قوله بما حكاه الخليل وسيبويه، وبأنها لغة هُذَيْل مطلقاً، وفيه نظرٌ، فإنهم لمَّا حَكَوا اللغة الهذيلية حَكَوْها في القسم كما تقدم مِنْ نحو :" نَشَدْتُك باللَّه لمَّا فعلت " و " أسألك باللَّه لمَّا فعلت ". وقال أبو علي أيضاً مستشكلاً لتشديد " لمَّا " في هذه السورة على تقدير أن " لمَّا " بمعنى " إلا " لا تختص بالقسم ما معناه : أن تشديد " لمَّا " ضعيف سواء شددت " إن " أم خَفَّفْت، قال :" لأنه قد نُصِب بها " كلاً "، وإذا نُصب بالمخففة كانت بمنزلة المثقلة، وكما لا يَحْسُن :" إنَّ زيداً إلا منطلق "، لأن الإِيجابَ بعد نفي، ولم يتقدَّمْ هنا إلا إيجابٌ مؤكد، فلذا لا يَحْسُن : إن زيداً لَمَّا مُنْطلق " لأنه بمعناه، وإنما ساغ :" نَشَدْتُك اللَّهَ إلا فعلت ولمَّا فعلت " لأنَّ معناه الطلب، فكأنه قال : ما أطلب منك إلا فِعْلك، فحرفُ النفي مرادٌ مثل :﴿ تَالله تَفْتَؤُاْ ﴾ [ يوسف : ٨٥ ]، ومَثَّل ذلك أيضاً بقولهم :" شَرٌ أهرُّ ذاناب " أي : ما أهرَّه إلا شرٌّ، قال :" وليس في الآية معنى النفي ولا الطلبِ. وقال الكسائي :" لا أعرف وجه التثقيل في لمَّا ". قال الفارسي :" ولم يُبْعِدْ فيما قال ". ورُوي عن الكسائي أيضاً أنه قال :" اللَّه عَزَّ وجَلَّ أعلمُ بهذه القراءة، لا أعرف لها وجهاً ".